علاقة الأمراض النفسية بالجهاز العصبي
تثير الأمراض النفسية الكثير من التساؤلات في أذهان العديد من الأشخاص حول الأسباب الكامنة وراءها، فهذه الأمراض تترسخ في مشاعر وأحاسيس الفرد، مما يفقده توازنه النفسي والعقلي، كما تُشكل خطرا على الإنسان لتأثيرها البالغ على شتى جوانب حياته، وتنعكس على سلوكه وأدائه وأفعاله تجاه الآخرين الشيء الذي يجعله يواجه صعوبة في تعاملاته اليومية.
فلماذا تؤثر الأمراض النفسية علينا وهل السبب الرئيسي لهذه الأمراض هو الجهاز العصبي أم النواقل العصبية للمخ؟أم شيء آخر؟.
ما هي الأمراض النفسية
الأمراض النفسية هي تغيرات تطرأ على مشاعر وسلوكيات وانفعالات الفرد حيث تُشكل عائقا أمامه في ممارسة أنشطته اليومية والحياتية، ويصعب التغلب عليها، كما تسيطر عليه بعض الحالات التى تُسببها هذه الامراض؛ ليصبح الإنسان بدوره عاجزا عن التحكم في اتخاذ قراراته في شتى الأمور، إذ إنها تنعكس على سلوكيات وانفعالات الفرد في تعاملاته مع الأشخاص المحيطين به مما يجعله في حالة من الضعف والعجز والقلق الدائم ليصل به الحال إلى الانعزال عن الآخرين، والتوقف عن ممارسة الأنشطة اليومية.
كما أن الأمراض النفسية لا تؤثر على الإدراك الحسي والعقلي فحسب، بل تؤثر أيضا على الجسد بالسلب حيث تظهر في صورة أعراض لآلام جسدية سواء عضوية أو نفسية أو عقلية، فهي تختلف عن بقية الأمراض إذ أنها تجعل الإنسان لا يدرك ما يفعله نتيجة تأثيرها بشكل كبير على حياة الفرد والمحيط أيضا.
هل يعتبر الجهاز العصبي مسؤولا عن الأمراض النفسية ؟
لم يعرف إلى يومنا هذا ما هو السبب الرئيسي الكامن وراء الأمراض النفسية ولكن حديثا توصل العلماء لأسباب محتملة وهي حدوث خلل في النواقل العصبية والذي يؤدي إلى تغيير مستقبلات الخلايا العصبية، والذي بدوره يؤثر على العمليات الكيميائية والنواقل العصبية مما يتمخض عنه ضعف الشبكات العصبية والتى تُغير من وظائف مستقبلات الأعصاب وأنظمة الأعصاب والذي يُحدث خللا في التوازن الطبيعي للإنسان ليؤثر في سلوكياته وانفعالاته وعلى حياته بشكل عام.
وأيضا الجزء المسؤول عن الهرمونات والنواقل العصبية والحسية في منطقة المخ والذي يُسمى بمنطقة "المهاد "، إذ أن حدوث خلل في هذه المنطقة يكاد يُفقد الإنسان توازنه بالكامل حيث يؤدي إلى تفاقم الأمراض النفسية بشكل كبير، ويؤثر بشكل كامل على الإنسان من حيث المستوى العقلي والجسدي والنفسي.
لا تقتصر الأمراض النفسية على تلك الأسباب فقط بل تتمثل في أيضا في المحيط الذي يعيش فيه الفرد والأشخاص المحيطين به، وتتمثل هذه الأسباب أيضا في أسباب بيئية أو أسباب ما قبل الولادة أو أسباب وراثية أو تطورات العصر الحديثة وستناولها بالتفصيل:
1. الأسباب الوراثية
تتمثل في وجود الأقارب الذين سبق لهم الإصابة بالمرض ويرجع ذلك إلى وجود خلل في الجينات والتى تنتقل من جيل لآخر ، فيجب أن يُسارع المريض في مُباشرة العلاج عند الطبيب المختص.
2. الأسباب البيئية
فهي تأتي من البيئة التى يعيش فيها الإنسان والمحيط أيضا، وتتمثل في المشاكل الاجتماعية والأسرية أو الصدمات من خلال المواقف التى تحدث في حياة الإنسان يوميا وتؤثر عليه بالسلب، والتي تجعله يعيش حالة من الحزن قد تصل إلى الاكتئاب ، فالبيئة هي المسئولة بشكل كبير على سلوكيات وتفكير الإنسان على الصعيد النفسي والعقلي، بالإضافة الي عوادم المصانع والسيارات التى تحتوي على البخار السام والذي يحتوي على عناصر سامة مثل عنصر الزنك أو الرصاص وغيرها من العناصر الكيميائية قد تؤدي إلى تلف الدماغ وتزيد من فرص الإصابة بالأمراض النفسية.
3. الأسباب ما قبل الولادة
وهي من أهم الأسباب التى تُشكل صعوبة للإنسان من قبل خروجه للحياة وتتمثل في الإفراط في تناول العقاقير أو تناول العقاقير الغير المناسبة، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات والإدمان والتدخين والتي تؤدي إلى حدوث تشوهات خلقية للجنين ونفسيا أيضا، وتكون النتيجة طفل مشوه غير قادر على التعايش وممارسة حياته بشكل طبيعي مما يُسبب له الامراض النفسية باختلاف أنواعها ودرجاتها.
4. تطورات العصر
منذ بداية ظهور السوشيال ميديا ومنصات الانترنت بدأ تدريجيا اختفاء التواصل مع الآخرين، وانعزال كل شخص في عالمه دون التواصل مع الآخر، وكذلك انعدام كل أنواع التواصل كالإنصات والحديث المتبادل ، فالتواصل يخلق شعور المحبة والمودة والتفاهم وغيرها من الأحاسيس التى لا يمكن للغة وصفها، بل من أهم الطرق العلاجية التى تساهم في علاج الأمراض النفسية هي التواصل والحديث مع الآخر ،وعلى الصعيد الآخر نرى أن نسبة الأمراض النفسية تزايدت في عصرنا الحالي بشكل ملحوظ فهناك أسباب مؤكدة لذلك أيضا.
الأمراض النفسية وتأثيرها على الجهاز العصبي
تعد الأمراض النفسية مجموعة متنوعة من الاضطرابات التي تؤثر على الحالة العقلية والسلوكية للفرد. تشمل هذه الأمراض الاكتئاب والقلق والفصام والاضطرابات ذات الصلة بالإدمان والعديد من الحالات الأخرى. يشترك الجهاز العصبي في هذه الأمراض بشكل كبير.
يعتمد الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي الطرفي على تواصل الإشارات الكهربائية بين الخلايا العصبية. في الحالة الطبيعية، يتم التوازن بين الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين. ومع ذلك، في الحالات المرتبطة بالأمراض النفسية، يحدث انقلاب في هذا التوازن.
مثلا، يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب من انخفاض مستويات السيروتونين، وهو ناقل عصبي يرتبط بالمزاج والشعور بالسعادة. هذا الانقلاب في التوازن يمكن أن يؤدي إلى الأعراض المعروفة للاكتئاب مثل الحزن العميق وفقدان الاهتمام بالأمور اليومية.
إضافة إلى ذلك، هناك أدلة تشير إلى أن التوازن الكيميائي في الجهاز العصبي قد يكون متأثرًا بعوامل وراثية وبيئية. على سبيل المثال، العوامل الوراثية يمكن أن تزيد من احتمالية تطوير اضطرابات نفسية. ومن ثمة فإن فهم العلاقة بين الأمراض النفسية والجهاز العصبي يتطلب دراسات متعمقة لإدراك الآليات الدقيقة والأسباب المحتملة لهذه الاضطرابات.
إن العقل والجهاز العصبي يشكلان نظامًا مترابطًا لا يمكن فصل أحده عن الآخر، تظهر الأمراض النفسية تأثيرات ملموسة على الجهاز العصبي، وهذا الارتباط معقد ومحوري في فهم تلك الاضطرابات.
في الواقع، يمكن أن تتغير هياكل الدماغ ووظائفه بفعل الأمراض النفسية، مثل تضخم مناطق معينة أو تقلصها. يدل هذا على تكيف الجهاز العصبي مع التغييرات النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، تتداخل العوامل الوراثية والبيئية في تكوين الأمراض النفسية وتأثيرها على الجهاز العصبي.
فهم هذه العلاقة يساعد في تطوير أساليب علاجية جديدة وتحسين فهمنا لأسباب وعلاج الأمراض النفسية، مما يعزز من رفاهية المرضى وجودة حياتهم.
وأخيرا فإن الأمراض النفسية تؤثر على الجهاز العصبي بتغيير هياكل الدماغ ووظائفه، وهي علاقة معقدة جدا وتساعد في تطوير علاجات فعالة وفهم أعمق للأمراض النفسية.