تفاهات اليوم مرآة عميقة لواقعنا المعاصر
في خضمّ هذا العصر المتسارع، يبدو أننا نعيش في مرحلة اتّسمت بظاهرة التفاهة، حيث لم يعد التقدّم التكنولوجي أو وفرة المعلومات كافيًا لرفع مستوى الوعي، بل على العكس، صرنا نشهد انحدارًا تدريجيًا نحو السطحية والاهتمام بالقشور على حساب الجوهر.
فما الذي يدفع الإنسان إلى الانغماس في عالم تافه؟ وما انعكاس ذلك على الفكر والسلوك والمجتمع؟
تحت سطح التفاهة: أسباب متشابكة
لقد أضحت التفاهة جزءًا من حياة الكثيرين، ليس لأنهم اختاروها وعيًا، بل لأن المجتمع نفسه بات يوجّه اهتمامه نحو كل ما هو استهلاكي، سريع، وعابر. فوسائل الإعلام، ومنصّات التواصل الاجتماعي، والإعلانات التجارية، جميعها تكرّس صورة نمطية للنجاح والسعادة، ترتكز على المظاهر: الجسد، الملابس، الشهرة، أو عدد المتابعين.
هذا التركيز لا يأتي من فراغ؛ بل هو نتاج منظومة تسويقية ضخمة تروّج للقيم الاستهلاكية على حساب القيم الإنسانية والمعرفية. ومن هنا، بدأت الاهتمامات العميقة، كالفكر، والأدب، والعلم، تفقد بريقها في نظر الأفراد، لا سيما الأجيال الجديدة.
ومن جهة أخرى، يُعزّز التنافس الاجتماعي هذا الاتجاه؛ إذ يسعى الفرد إلى التماهي مع الصورة المثالية التي تُعرض عليه باستمرار، فيتبع الموضة دون وعي، ويشتري دون حاجة، ويقارن نفسه بغيره باستمرار، ظنًّا منه أنه بذلك يحقق تميّزًا أو قيمة. غير أن هذا النوع من التميّز هشّ، زائل، ولا يُنتج وعيًا حقيقيًا أو إحساسًا بالرضا.
التأثير العميق للتفاهة على الإنسان
قد يبدو الحديث عن التفاهة أمرًا بسيطًا، أو حتى ترفًا فكريًا، إلا أن نتائج هذا الانحدار واضحة في سلوكيات الأفراد ومواقفهم من الحياة. فعندما يصبح الإنسان أسيرًا للسطح، يبتعد تلقائيًا عن التفكير النقدي، والبحث، والتأمل، ويصبح أقلّ قدرة على مواجهة التحديات أو اتخاذ قرارات حكيمة.
ويؤثر هذا الانشغال بالتفاهة على جودة التعليم، ونوعية العلاقات الإنسانية، وحتى على نظرتنا للنجاح والمعنى. إذ بدلًا من أن يكون التعليم وسيلة للتمكين العقلي، أصبح في نظر البعض مجرّد شهادة، أو وسيلة للشهرة عبر وسائل الإعلام. وكذلك الحال في العلاقات، التي باتت تُبنى على المظهر أو المصلحة، لا على التواصل الإنساني الحقيقي.
كما أن هذا الانغماس قد يُفضي إلى تراجع في القيم الاجتماعية، كالإيثار، والنزاهة، والاجتهاد، لتحلّ محلّها قيم الاستهلاك، والربح السريع، والانبهار بالشكل دون المضمون.
نحو وعي أعمق... ما العمل؟
ليس المقصود من هذا الطرح الوقوع في فخّ التشاؤم أو جلد الذات، بل العكس تمامًا. إنّ إدراك المشكلة هو الخطوة الأولى في معالجتها. ومن هنا، فإن الحاجة أصبحت ملحّة لإعادة التوازن بين المظهر والجوهر، بين التسلية والمعرفة، وبين الصورة والحقيقة.
علينا أن نُعيد الاعتبار للتفكير النقدي، وأن نشجّع القراءة، والحوار، والتأمل، وأن نعيد توجيه انتباهنا لما هو جوهري فعلًا: التعليم، الأسرة، الصحة النفسية، والارتقاء بالوعي الجمعي.
كما أن دور الإعلام التربوي، والمدرسة، والأسرة، لا يقل أهمية في هذه المعركة، فبناء وعي جماعي متماسك لا يتم بجهود فردية فقط، بل عبر مشروع مجتمعي شامل يُقدّم بدائل حقيقية للسطحية والتفاهة، ويمنح الأفراد نماذج ملهمة للحياة الهادفة.
المراجع:
-
مقال من موقع إسلام أون لاين حول ظاهرة التفاهة والسطحية في العصر الحديث.
