recent
أخبار ساخنة

حلول العام الهجري الجديد 1447

ذكرى الهجرة النبوية الشريفة: تأملات في حدث غيّر مجرى التاريخ


مع بزوغ أولى ساعات العام الهجري الجديد 1447 هـ، الذي يصادف يوم الجمعة 27 يونيو 2025 م (حسب الرؤية في المغرب)، نبارك لأنفسنا ولكافة المسلمين في شتى بقاع الأرض، سائلين الله جل في علاه أن يجعله عام خير ويمن وبركة.

الاحتفال بالعام الهجري الجديد 1447

حدث الهجرة النبوية: بداية التقويم الإسلامي


يُعد حدث الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة منعطفًا حاسمًا في مسيرة الدعوة الإسلامية، حيث لم تكن الهجرة مجرد انتقال مكاني، بل تحوّل روحي ومجتمعي وسياسي مهّد لقيام أول دولة إسلامية قائمة على أسس العدل والإيمان.

بدأت هذه الرحلة العظيمة سنة 622 ميلادية، حين اشتد الأذى على المسلمين في مكة، فكان لابد من بيئة آمنة تسمح بنمو العقيدة وتطبيق الشريعة، وكان أهل يثرب –المدينة لاحقًا– خير معينٍ ومساندٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قبيل الهجرة: استعداد وصبر


ظل النبي صلى الله عليه وسلم في مكة حتى جاءه الإذن من الله بالهجرة. وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد ألحّ في طلب الخروج، لكن النبي أجّله قائلًا: "لا تعجل، لعلّ الله يجعل لك صاحبًا"، فكان ذلك وعدًا ضمنيًّا بأنه سيكون رفيقه في الرحلة.

وفي المقابل، ظل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة، يُهيّئ المسرح لعملية الخروج الكبرى، وكان ذلك جزءًا من خطة دقيقة تُظهر عظمة التخطيط النبوي والاتكال على الله.

مؤامرة قريش والمبيت البطولي


خافت قريش من تبعات خروج النبي، فاجتمع زعماؤها في دار الندوة وقرّروا قتله بطريقة تضمن تفرّق دمه بين القبائل. لكنّ الوحي سبقهم، وأبلغ النبي بالخطر، فطلب من علي أن يبيت في فراشه تلك الليلة، متدثرًا ببرده الأخضر.

وفي لحظة من المعجزات، خرج النبي من داره غير مرئي، وهو يقرأ:

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (يس: 9)

حين اقتحم المشركون البيت صباحًا، وجدوا عليًا فقط، فسألوه: "أين صاحبك؟"، فأجابهم بما لا يُرضي فضولهم.

عليّ رضي الله عنه: أمانة وشجاعة


لم يكن مبيت عليّ مجرد تضحية، بل كان تكليفًا شريفًا؛ فقد تركه النبي في مكة لأداء الأمانات التي كانت مودعة عنده من قِبل قريش. برغم عدائهم له، فقد عرفوا صدقه وأمانته. بقي عليّ ثلاثة أيام، ثم لحق بالنبي إلى المدينة بأمر منه.

استقبال العام الهجري: لحظة تجديد


في كل عام، تحل ذكرى الهجرة لتُوقظ فينا معاني عظيمة: الصبر، والثبات، والتخطيط، والتضحية، واليقين بوعد الله. ليست الهجرة حدثًا نُخلّده فقط، بل مدرسة نستقي منها دروسًا نطبّقها في حياتنا اليومية.

يُقبل المسلمون في هذا اليوم على مراجعة الذات، وتقييم العام الماضي: ماذا قدموا؟ ماذا قصّروا؟ وكيف يبدأون عامهم بنية صافية وإرادة صلبة للتغيير والتحسين؟

كيف نحتفل بالعام الهجري الجديد؟


الاحتفال بالعام الهجري ليس بالمفرقعات أو الصخب، بل بتجديد النية، والتقرب إلى الله، وممارسة أعمال الخير:

  • أداء النوافل والصيام إن أمكن.
  • صلة الرحم وتصفية القلوب.
  • التصدق على المحتاجين.
  • تلاوة القرآن والتأمل في سيرة النبي.
  • نشر المحبة والسلام داخل المجتمع.

أهمية التقويم الهجري في حياتنا


لا يقتصر التقويم الهجري على الطابع الرمزي، بل له دور فعّال في تنظيم الشعائر الإسلامية من صيام وحج وزكاة، ويجب علينا كمسلمين أن نمنحه مكانته، ونعززه في حياتنا اليومية.

من المعروف أن عدد أيام السنة الهجرية يقلّ عن نظيرتها الميلادية، إذ تتراوح ما بين 354 و355 يومًا فقط، وهذا الفارق يُحدث تغييرات سنوية في توقيت المناسبات الدينية مقارنة بالتقويم الميلادي.


في مناسبة كهذه، نستحضر سيرة رسول الله، ونتأمل في ما تحمله من دروس في الصبر، والرحمة، والثبات على الحق. لنجعل من هذه الذكرى فرصة لبناء وعي الأجيال بقيم الإسلام، وغرس محبة النبي وأصحابه في قلوبهم، لننشئ جيلاً يحمل الرسالة بقلب واعٍ وروح مخلصة.
نسأل الله أن يجعل هذا العام الهجري الجديد 1447 فاتحة خير على الأمة الإسلامية، وأن يرزقنا الثبات والهداية، وأن يعيننا على خدمة دينه بما يحب ويرضى.
google-playkhamsatmostaqltradent